رؤيا الحق
تنقسم رؤيا الحق إلى خمسة أصناف:
الصنف الأول: الرؤيا الصادقة الظاهرة، وهي جزء من النبوة، لقوله تعالى: "لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين".
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما سار إلى الحديبية، رأى في المنام أنه دخل وأصحابه رضي الله عنهم مكة آمنين غير خائفين، يطوفون بالبيت وينحرون ويحلقون رؤوسهم ويقصون، فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بما رآه، فلما أن كان العام المقبل، أخليت له مكة كما رآها صلى الله عليه وسلم في المنام، بشارة من الله تعالى، من غير صنع ملك الرؤيا، ولا سؤال ولا تفسير.
وقيل: رؤيا إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده إسحق، وذلك قوله تعالى حكاية عنه: "يا بني إني أرى في المنام أذبحك فانظر ماذا ترى".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ومن رآني في المنام فقد رأى الحق".
وقال عليه الصلاة والسلام: "من رآني في المنام فلن يدخل النار".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار من رآني في المنام".
وقال صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي".
وقال أرطاميدورس: الرؤيا الظاهرة مثل ما رأى إنسان كأنه في البحر، وكأن البحر قد هاج عليه وتموج.
وقال بعض حكمائهم: طوبى لمن يرى الرؤيا صريحا، لأن صريح الرؤيا لا يريه إلا الباري.
وقال أرطاميدورس: قال الحكماء المعبرون: الذين ينبغي أن يقبل قولهم ويصدقوا في الرؤيا أولا هم الملائكة، وذلك أن الملائكة لا يكذبون، وبعدهم الملوك والرؤساء، لأنهم مسلطون على من تحتهم من الناس، ويعدهم الآباء والمؤدبون، وذلك أنهم يشبهون أهل الفضل والكرامة، لأن الآباء والمؤدبون، وذلك أنهم يشبهون أهل الفضل والكرامة، لأن الآباء هم سبب كوننا، المؤدبين سبب حسن سيرتنا، وبعدهم العرافون، ثم الموتى، فإن الموتى إذا أخبروا في الرؤيا بشيء كان ذلك الخبر صادقا، وذلك أن الذي يكذب في كلامه إما يكذب لعلتين: إما بسبب رجاء شيء، وإما بسبب خوف من شيء، ومن مات لا يرجو شيئا من الدنيا، ولا يخاف من شيء منها، ولذلك يكون كلامه حقا، وذلك أمر يخص الموتى.
قالوا: والصبيان الصغار إذا رأوا شيئا في الرؤيا فهو حق، وذلك أنهم لم يتعلموا الكذب والضلال، وايضا من شاخ وطعن في السن، فإنه ينبغي أن يصدق قوله في الرؤيا، وذلك أنه لا يقول كذبا بسبب كبره، وأيضا فإن جميع الحيوان الذي ليس بناطق، فيصدق في الرؤيا قوله إذا قال شيئا، وذلك أنه لا يحسن الخديعة في القول. إن أكثر من ترى فهو يكذب، ما خلا من كان أمينا في تدبيراته، ومن كانت عاداته جميلة، ومن كان خيّراً.
فأما العامة، والمصارعون، والفقراء، والخصيان، والمخنثون، والمغنون، فإنهم جميعا يدلون على رجاء كاذب لا يتم، وذلك أنهم بالطبيعة لا يعدون مع الرجال ولا مع النساء، والواجب أن يصدق قول كل من كان يصدق في الرؤيا على سبيل ما قلناه في جميع الأشياء الباقية.
ويقال: إن أصح الرؤيا، رؤيا ملك أو مملوك وما يراه الإنسان فيعبره في المنام.
الصنف الثاني: الرؤيا الصالحة: وهي بشرى من الله تعالى، كما أن المكروهة زاجرة يزجرك بها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير ما يرى أحدكم في النوم أن يرى ربه أو نبيه، أو يرى أبويه المسلمين". قالوا: يا نبي الله، وهل يرى أحد ربه ? قال: السلطان، والسلطان هو الله.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن من قرأ القرآن رأى في المنام ما لم يبصره".
الصنف الثالث: ما يريكه صديقون وملك الرؤيا عليه السلام على ما علمه الله تعالى من نسخة أم الكتاب، وألهمه من ضرب أمثال الحكمة عليها لكل شيء من