والأمثلة كثيرة جداً على ألا تعارض بين الجانبين ، إذا نحن فرقنا بين شيئين : الإطار الذي يحدد قواعد السير ثم خطوات السير في حدود ذلك الإطار ، فهنالك قواعد مشتركة بين لاعبي الكرة أو لاعبي الشطرنج ، لا يسمح لأحد اللاعبين بالخروج عليها ، ومع ذلك فلكل لاعب كامل الحرية في أن يحرك الكرة أو قطعة الشطرنج حيث أراد في حدود قواعد اللعب – خذ مثلاً آخر : قواعد اللغة يلتزم بها كل كاتب بها أو قارئ لها ، فليس من حق الكاتب العربي أن ينصب فاعلاً أو أن يرفع مفعولاً به ، لكن هل يعني هذا حرمان الكاتب من حريته فيما يكتبه وفق تلك القواعد ؟ إن لكل كاتب موضوعاته التي يعرضها وأسلوبه الذي يعبر به عن نفسه ، على أن يتم ذلك كله في حدود المبادئ المشتركة ، لا بل إن كل عبارة يخطها الكاتب إنما يلتزم فيها بمبادئ كثيرة دون أن يقيد ذلك حريته في اختيار مادتها وطريقة صياغتها ، ففضلاً على قواعد اللغة نحواً وصرفاً هنالك مبادئ المنطق يلتزمها بحكم طبيعته نفسها ، فهو لا يجيز لنفسه - مثلاً - أن يقول إنه إذا أراد مسافر قطع المسافة التي طولها مائتا كيلو متر في ساعتين فيكفيه قطار يسير بسرعة عشرين كيلو متراً في الساعة ، أو أن يقول إنه إذا أرادت البلاد تنفيذ خطة صناعية تكلفتها مائتا مليون من الجنيهات فيكفيها أن تجمع من المواطنين خمسين مليوناً - الكاتب حر فما يقول ما دام قوله ملتزماً لطائفة من مبادئ اللغة والفكر ، وهكذا قل في المواطن الفرد بالنسبة للمبادئ والأهداف التي وضعها المجموع ، وكان هو أحد أفراد ذلك المجموع فهو حر في طريقة سيره وأسلوب حياته ، على أن تجيء مناشطه ملتزمة للمبادئ المقررة.