يستعد المغرب الأسبوع المقبل لإجراء الانتخابات التشريعية الثانية بعد إقرار دستور 2011. ويمثّل هذا الاستحقاق الانتخابي مناسبة لتقييم سياسات حزب العدالة والتنمية الموجود في السلطة منذ خمسة أعوام، واختباراً لقدرته على الاحتفاظ بالتأييد الشعبي الذي حصده في الانتخابات السابقة. وتمثّل هذه الانتخابات أيضاً مناسبة لاختبار مدى التزام القصر بمسار الاصلاحات ذات المنحى الديمقراطي التي أطلقها عام 2011، واحتفاظه بالمسافة نفسها من الأحزاب السياسية المتنافسة لتبيان قدرتها الذاتية على استقطاب الناخبين عبر البرامج التي تقدّمها.
وتنظّم هذه الانتخابات بعد عام واحد على الانتخابات الجهوية والمحلية التي جرت في أيلول/ سبتمبر 2015 وعدّت نتائجها على نطاق واسع انعكاساً لتركيبة المشهد السياسي المغربي. وبناءً على هذه النتائج يتوقع أن تكون المنافسة قوية بين الحزبين الكبيرين: حزب العدالة والتنمية (حزب ذو هوية إسلامية، يقود الحكومة حالياً إلى جانب تحالف من أحزاب من اليمين واليسار)، وحزب الأصالة والمعاصرة (حزب وسط مقرب من النظام الملكي، ويمثل المعارضة). وكانت الانتخابات المحلية والجهوية الأخيرة أسفرت عن تقاربٍ كبير في النتائج بين هذين الحزبين، مع اختلاف في أوساط التأييد ومواقع القوة لكلٍّ منهما؛ فالعدالة والتنمية حصد نتائج متقدمة في المدن، بينما فاز منافسه الأصالة والمعاصرة بغالبية المقاعد في الأرياف. وهو ما قرأ فيه الكثير من المتابعين للشأن السياسي المغربي استمرارية لـ "سوسيولوجيا" الانتخابات نفسها التي حكمت المغرب منذ الاستقلال؛ فقد مثّلت الدوائر الانتخابية في الأرياف خزّاناً انتخابياً للأحزاب المقرّبة من القصر (النظام)، بينما ظلّت المدن واجهة للمنافسة بين أحزاب معارضة للنظام وأخرى موالية له.
المشهد السياسي عشية الانتخابات
وفقاً للبيانات الرسمية بشأن إيداع التصريحات بالترشيح لانتخاب أعضاء مجلس النواب، يشارك في انتخابات الأسبوع المقبل 24 حزباً سياسيا وتحالفان حزبيان (التحالف الحزبي يضمّ حزبين سياسيين أو أكثر). وقد بلغ عدد لوائح الترشيح المقدمة برسم جميع الدوائر الانتخابية المحلية والدائرة الانتخابية الوطنية ما مجموعه 1410 لوائح، تشتمل في المجموع على 6992 مترشّحاً ومترشّحة، منها 1385 لائحة ترشيح جرى إيداعها برسم الدوائر الانتخابية المحلية وتتضمن 4742 مترشحاً ومترشحة، أي بمعدل 15 لائحة عن كلّ دائرة محلية، علماً أنّ عدد اللوائح المودعة عن كلّ دائرة انتخابية محلية يراوح بين 9 لوائح في الحد أدنى و25 لائحة كعدد أقصى، إضافةً إلى تقديم لائحتي ترشيح من دون انتماء سياسي.
بلغة الأرقام، استطاعت ثلاثة أحزاب فقط تغطية مختلف الدوائر الانتخابية المحلية، ما يؤكد أنّها معنية بالتنافس على احتلال الرتبة الأولى في هذه الانتخابات؛ ويتعلق الأمر بكلٍّ من حزب الاستقلال (حزب يمين محافظ)، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة. إلّا أنّ المؤشرات الانتخابية تُنذر بأن يكون التنافس على خط النهاية بين الحزبين الأخيرين فحسب؛ فقد رشّحا معاً في كلّ الدوائر الانتخابية المحلية، بنسبة تغطية بلغت مئة في المئة؛ وبالمقابل راوحت تغطية باقي الأحزاب السياسية المشاركة في هذه الانتخابات بين 97.8 في المئة (90 لائحة من أصل 92) و13 في المئة فقط (12 لائحة فقط من أصل 92)، مع الأخذ في الحسبان أنّ الكثير من الصراع الانتخابي يتركّز أساساً بين ثمانية أحزاب رئيسة في المغرب، هي: العدالة والتنمية (حزب محافظ ذو هوية إسلامية)، والأصالة والمعاصرة (وسط مدعوم من أوساط في محيط القصر)، وحزب الاستقلال (يمين محافظ)، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (حزب اشتراكي يساري)، وحزب الحركة الشعبية (يمين مقرب من النظام)، والتجمع الوطني للأحرار (يمين مقرب من النظام)، ثم التقدم والاشتراكية (حزب شيوعي مغربي متحالف مع العدالة والتنمية).
وفي العموم يمكن تصنيف هذه الأحزاب في إطار ثلاث فئات من القوى الحزبية في المشهد السياسي المغربي، وهي: الأحزاب السياسية الصاعدة التي أكدت قوتها وعززت حضورها، والأحزاب التي كانت تعدّ ركائز النظام السياسي المغربي وأخذت قوّتها تتلاشى وحضورها يتضاءل، وبين الصاعد والآفل يوجد عدد من الأحزاب السياسية التي ينحصر همها في ضمان مكان لها في أيّ ائتلاف حاكم يبعدها عن مقاعد المعارضة.
أمّا الفئة الأولى التي ستقود العمل السياسي المغربي خلال الفترة المقبلة فتشتمل كما ذكرنا سابقاً على طرفين قويين، هما: حزب العدالة والتنمية الموجود في السلطة منذ خمس سنوات والذي نجح وفقاً لنتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في انتزاع إدارة شؤون أهم المدن الرئيسة: الدار البيضاء، وفاس، ومراكش، والرباط، ومكناس؛ وحزب الأصالة والمعاصرة الذي غدا القوة السياسية الثانية في المغرب، بفضل دعم الناخبين الذين يعيشون في المناطق الريفية، وبرزت قوة الحزب خصوصاً على المستوى الجهوي حيث فاز برئاسة خمس جهات، في حين أنّ حزب العدالة والتنمية تمكّن من الحصول على جهتين فقط. ومن هنا يعدّ الأصالة والمعاصرة منافساً كبيرا للحزب الحاكم في الانتخابات ال